Skip to main content

الإنسان بين المظهر والجوهر - إريك فروم - الجزء الأول: التملك والكينونة


إريك فروم Erich Fromm (1900-1980) محلل نفسي وفيلسوف وأستاذ جامعي إنساني أمريكي، ألماني الأصل، تأثر فكره بالمحلل النفسي سيغموند فرويد، وكارل ماركس وماكس هوركهايم. وطبق النظريات الفرويدية على الواقع المجتمعي. له مؤلفات عدة من بينها الهروب من الحرية، التحليل النفسي والدين، أزمة التحليل النفسي.



يبين إريك فروم في هذا الكتاب أن العالم في أزمته الحاضرة يتجاذبه أسلوبان في الوجود يتصارعان للفوز بالنفس البشرية.
فالأسلوب الأول وهو المهيمن في المجتمع الصناعي الحديث، رأسماليا كان أم شيوعيا، هو أسلوب التملك الذي ينصب على التملك المادي والقوة، وهو مبني على الجشع والحسد والعدوان والاقتناء والاستحواذ والاكتناز والجشع.
أما الأسلوب الثاني، وهو الأسلوب البديل، فإنه يتجه نحو الكينونة، ويتجلى في الشعور بمتعة التجربة المشتركة والقيام بالأعمال المنتجة حقا، وتتأصل فيه القيم الأخلاقية السامية على القيم المادية لترسيخ قواعد الوجود الإنساني الخيّر، الذي يعطي البشر فرصة لإخراج أجمل ما عندهم من مواهب وملكات وأخلاق.

يفسر إريك فروم فكرته حول التملك والكينونة، والفرق بينهما هو الفرق بين الملك والوجود، وهو نفس الفرق بين مجتمع محوره الأساسي الأشخاص ومجتمع محوره الأساسي الأشياء.
كفكرةٍ عن مسألة التملك، فإن دراسة أسلوب الكلام الحديث يعكس لنا الدرجة العالية من الاغتراب التي أصبحت سائدة، فقد توسع استخدام الأسماء عوضا عن الأفعال بنطاق واسع: فعندما يقول الشخص "أنا عندي مشكلة" عوضا عن قول "أنا قلق" فلأنه ينفي الخبرة الشخصية، فقد حول مشاعره إلى شيء يمتلكه..  ونرى الاختلاف بشكل أوضح بين التملك والكينونة، في الاختلاف بين قول "أنا أملك سيارة" وبين قول " أنا أكون سعيدا" فجعل كينونتنا- أو مشاعرنا ووضعنا- ملكية هو اتجاه للنفس نحو نظام التملك.. فحينما نتحدث عن التملك والكينونة، فإننا نتحدث عن أسلوبين مختلفين للتوجه الإنساني نحو النفس والعالم، فهما صنفان مختلفان من بناء الشخصية تحدد أفكار وتصرفات ومشاعر الشخص. ومن ظواهر التملك: الاستهلاك، وهي عملية تخفف القلق لأن ما يمتلكه الإنسان من خلال التملك لا يمكن انتزاعه، ولكن العملية تدفع الإنسان إلى مزيد من الاستهلاك، لأن كل استهلاك سابق سرعان ما يفقد تأثيره الإشباعي. وهكذا فإن هوية المستهلك المعاصر تتلخص في الصيغة الآتية:
أنا موجود بقدر ما أملك وما أستهلك.
ونأخذ مثالا آخر:
 القراءة كتوضيح للأمر، فالذي يقرأ رواية مثلا بأسلوب التملك، لا يهمه سوى معرفة عقدة القصة والأحداث هل البطل على قيد الحياة أم يموت؟ والرواية بالنسبة له ليست إلا مدخلا للإثارة، وعندما يعرف نهاية القصة يكون قد ملك القصة، لكنه لم يضف شيئا إلى معرفته، فلم يفهم شخصيات الرواية، ولم ينفذ ببصيرته في أعماق الطبيعة البشرية أو عرف شيئا جديدا عن نفسه.. ونصادف نفس الأساليب في القراءة حتى لو كان الكتاب في الفلسفة أو التأريخ، فالطريقة التي يقرأ بها الفرد الكتاب في المدرسة مثلا، تهدف إلى ملء ذاكرته بنص الكتاب وخزنها فيه، فيصير الهدف من قراءة الكتاب هو حفظه لنيل شهادة امتلاك المعارف المقررة، فإنهم لم يتعلموا أن يتحدثوا مع هؤلاء الفلاسفة ومناقشتهم  ويسائلوهم، فتغدو ملكية ثقافية. أما من يقرأ بأسلوب الكينونة فإنه يفهم الكتاب فهما أكثر اكتمالا ويميز قيمة الكتاب.
التملك التطبعي: فكخلاصة للتملك يمكننا تعريفه بالدافع الشهواني للحصول على الأشياء والتعلق بها، وقد نشأ نتيجة تأثير الظروف الاجتماعية في النوع البشري.

أما ما يميز الكينونة هو أنها تتعلق بالتجربة الإنسانية التي لا يمكن لا يمكن وصفها بشكل دقيق وكلي لتعدد أبعادها. لكن بإمكاننا تحديد هذا النمط ببعض المحددات: الاستقلالية والحرية والعقلية النقدية والنشاط الداخلي والاستفادة من الطاقة الإنسانية... والوصول إلى الكينونة يتطلب تجاوز المظهر إلى الجوهر، فالدوافع الحقيقية للسلوك هي التي تشكل الكينونة الحقيقية للإنسان. وهذا النمط –الكينونة- لا يمكن أن ينمو إلا بقدر ما يتقلص نمط اللاكينونة/التملك، أي بقدر ما نكف عن تلمس أمننا وهويتنا في التعلق بما نملك والتعود عليه.



Comments

Popular posts from this blog

موجز لكتاب معنى الحياة لألفريد أدلر

What life could mean to you – Alfred Adler كتاب معنى الحياة – ألفريد أدلر وُلد أدلر في فيينا عاصمة النمسا عام 1879، وكان الابن الثاني من سبعة أبناء. أصيب في الخامسة من عمره بمرض رئوي خطير، وتوفي أخوه الأصغر بسبب الدفتيريا، فقرر أن يصبح طبيبا ليتمكن من "محاربة الموت". درس الطب في جامعة فيينا ونال الشهادة، وقابل لاحقا "سيغموند فرويد" واهتم بنرياته فانضم لجماعة المناقشة التي أسسها فرويد في عام 1902، إلا أن الخلافات بدأت بينه وبين فرويد ويونج، مما ادى لاستقالته عام 1911 ليكون جماعة علم النفس الفردين حيث يسلك طريقا مختلفة لوصف وعلاج مشاكل البشر النفسية. وهذا موجز لما جاء في كتابه "معنى الحياة". الفصل الأول: معنى الحياة. يركز أدلر مهام الحياة الرئيسية في ثلاثة: الوظيفة أو العمل؛ العلاقات الاجتماعية؛ الزواج أو الحب. ويرى أن الحياة لا يكون لها معنى أو فائدة إلا إذا كانت ذات فائدة للمجتمع، فالمعنى الخاص للحياة ليس سوى انعدام للمعنى، لأنه لا يعني شيئا لباقي أفراد المجتمع؛ فالمعنى الحقيقي للحياة هو التعاون. إن علم النفس الفردي يريد الوصول عن طريق العلم،...

قراءة في كتاب "الإنسان يبحث عن المعنى" ل فيكتور فرانكل viktor frankl

من الملفت للانتباه أن فيينا النمساوية التي أنجبت سيغموند فرويد، مؤسس التحليل النفسي الذي يرى أن دوافع السلوك البشري هي إرادة اللذة الجنسية ، وأنجبت ألفريد أدلر، مؤسس علم النفس الفردي المنظر لدافع المكانة وإرادة القوة؛ هي نفسها التي أنجبت  فيكتور فرانكل، مؤسس العلاج بالمعنى. فماذا يرى فرانكل؟ {صورة لفرانكل} وُلد فرانكل عام 1905 وتوفي عام 1997. درس الطب بمسقط رأسه، فيينا، حيث حصل على الدكتوراه وعمل لاحقا بقسم الانتحار في مستشفى فيينا وترأس لاحقا قسم طب الأعصاب في مستشفى روتشيلد. خلال الحرب العالمية الثانية، أرسل فرانكل وزوجته إلى معسكر تعذيب نازي في ألمانيا. كتب عن هذه الأحداث في كتابه "الإنسان يبحث عن المعنى"، حيث يصف معاناة الجوع والبرد والقسوة وتوقع الإبادة في كل ساعة في المعسكر. معاناته كانت أشقى مما كتب عنه فيودور دوستوفسكي في روايته "ذكريات من منزل الأموات". وفي قلب المعاناة يبحث عن معنى الحياة. تركز المدرسة الثالثة لعلم النفس (طريقة العلاج بالمعنى) على فكرة أن الدافع المحرك للإنسان أكثر من غيره هو إرادة المعنى ، اتباع مسيرة محددة للحياة؛ فالإنسا...